في حكم إجارة الثياب والحُلِيِّ للمناسبات



فإجارةُ الثيابِ المُباحةِ جائزةٌ، ويجوز ـ أيضًا ـ إجارةُ الحُلِيِّ مِنَ الذهب والفضَّة للنساء بأحَدِ النقدَيْنِ أو غيرِهما إذا كانَتِ المدَّةُ معلومةً والأجرُ معلومًا، وهو مَذْهَبُ الشافعيِّ وأصحابِ الرأي وروايةٌ عن أحمد ...   للمزيد 

«التصفيف السابع والثلاثون: الإيمان بالقدر (١)»



القَدَرُ ـ فِي اللُّغَةِ ـ هُوَ الإِحَاطَةُ بِمِقْدَارِ الشَّيْءِ، تَقُولُ: قَدَرْتُ الشَّيْءَ أَقْدُرُهُ قَدَرًا إِذَا أَحَطْتُ بِمِقْدَارِهِ. وَقَدَرُ اللهِ ـ تَعَالَى ـ هُوَ: تَعَلُّقُ عِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ ـ أَزَلًا ـ بِالكَائِنَاتِ كُلِّهَا قَبْلَ وُجُودِهَا،... للمزيد

التحرير البديع في تعليل تحريم أعيان المَبيع



عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ـ عَامَ الفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ ـ: «إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ وَالمَيْتَةِ وَالخِنْزِيرِ والأَصْنَامِ» ... للمزيد

سلسلة ردود على الشبهات العقدية لـ «شمس الدين بوروبي» [إدارة الموقع]



ادِّعاء المُحاضِر المتعالم بأنَّ السلفيِّين يتَّهمون الصوفيةَ بالقول بسقوط التكاليف عنهم، ونسبتُه التمسُّكَ بالسنَّة للمتصوِّفة كلامٌ عارٍ عن الدليل، بعيدٌ عن الواقع بعدًا ظاهًرا ... للمزيد

«التصفيف الثلاثون: التوحيد العلمي والعملي (١)»



العقائد الإسلامية
من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية

«التصفيف الثلاثون: التوحيد العلمي والعملي (١)»

للشيخ عبد الحميد بن باديس (ت: ١٣٥٩ﻫ)

بتحقيق وتعليق د: أبي عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس -حفظه الله-

التاسع والأربعون: توحيده في ربوبيَّته:




الأحد، 1 مارس 2015

في حكم اعتبار القتيل في المظاهرات من الشهداء


نص السؤال:
هل المظاهرات الرِّجالية والنِّسائية ضِدَّ الحُكَّام والولاة تعتبر وسيلةً من وسائل الدعوة ؟ وهل من يموت فيها يُعتبر شهيدًا ؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالمظاهرات والمسيرات والاعتصامات بالساحات -بغضِّ النظر عن صفتها عُنفيَّةً كانت أو سلميّةً- فليست مِن عملِنا -نحن المسلمين- ولا من دعوتنا، ولا هي من وسائل النهي عن المنكر، بل هي من أساليب النظام الديمقراطي الذي يُسند الحكمَ للشعب، فمنه وإليه.
فضلاً عن أنَّ عامَّة المظاهر الثوريَّة والاحتجاجيَّة في العالَم الإسلامي متولِّدةٌ من الثورة الفرنسية وما تلاها من ثوراتٍ وانقلاباتٍ في أوربا في العصر الحديث، فأُمَّتنا بهذا النمط من التقليد والاتِّباع تدعِّم التغريب وتفتح باب الغزو الفكري، باتِّخاذ الأساليب الثورية وأشكال الانتفاضات أُنموذجًا غربيًّا وغريبًا عن الإسلام، يحمل في طيَّاته الفتن والمضارَّ النفسيَّةَ والمالية والخُلُقيَّة، قال ابن القيِّم -رحمه الله-: «وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم؛ فإنه أساس كلِّ شرٍّ وفتنةٍ إلى آخر الدهر»(١).
والحقوق إنَّما يُتوصَّل إليها بالوسائل المشروعة والبدائل الصحيحة.
أمَّا الشهداء فهُمْ على ثلاثة أقسامٍ(٢):
الأوَّل: شهيدٌ في الدنيا والآخرة، وهو: من يُقتل بسببٍ من أسباب قتال الكُفَّار مخلصًا صابرًا محتسبًا مقبلاً غير مدبرٍ، وذلك قبل انقضاء الحرب، فإنه تجري عليه أحكام الشهيد في الدنيا، فلا يُغسَّل الشهيدُ قتيلُ المعركة ولو اتَّفق أنه كان جُنُبًا؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «ادْفِنُوهُمْ فِي دِمَائِهِمْ» -يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ- وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ(٣).
وفي استشهاد حنظلة بن أبي عامرٍ رضي الله عنه قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ صَاحِبَكُمْ تُغَسِّلُهُ المَلاَئِكَةُ»، فَسَأَلُوا صَاحِبَتَهُ فَقَالَتْ: إِنَّهُ خَرَجَ لَمَّا سَمِعَ الهَائِعَةَ(٤) وَهُوَ جُنُبٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: «لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ المَلاَئِكَةُ»(٥)، ولا يجوز نزعُ ثياب الشهيد التي قُتل فيها؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم في قتلى أحدٍ: «زَمِّلُوهُمْ فِي ثِيَابِهِمْ»(٦)، ولا يُصلَّى عليه لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لاَ تُغَسِّلُوهُمْ، فَإِنَّ كُلَّ جُرْحٍ -أَوْ كُلَّ دَمٍ- يَفُوحُ مِسْكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ(٧)، ولحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كَانَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: «أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ»، فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَقَالَ: «أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ يَوْمَ القِيَامَةِ»، وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ(٨).
مع جواز الصلاة عليهم من غير وجوب؛ لحديث أنسٍ: «أَنَّ شُهَدَاءَ أُحُدٍ لَمْ يُغَسَّلُوا، وَدُفِنُوا بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ»(٩) غير حمزة(١٠)، ويُدفن الشهداء في مواطن استشهادهم ولا يُنقلون إلى المقابر؛ لحديث جابرٍ رضي الله عنه وفيه: «أَلاَ إِنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا بِالْقَتْلَى، فَتَدْفِنُوهَا فِي مَصَارِعِهَا حَيْثُ قُتِلَتْ»، قَالَ: «فَرَجَعْنَاهُمَا مَعَ الْقَتْلَى حَيْثُ قُتِلَتْ»(١١) -يعني جابرٌ أباه وخاله-.
كما يجري على الشهيد حكمُ الشهادة في الآخرة من نيل الثواب الخاصِّ به في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ. يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ[آل عمران: ١٦٩-١٧١]، وله خصالٌ أخرى ثابتةٌ في السنَّة الصحيحة في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ: اليَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ»(١٢).
قلت: ويُستثنى من عموم ما يُكفَّر عن الشهيد من خطيئاته وسيِّئاته الدَّيْنُ؛ فإنه لا يَسْقُطُ بالشهادة(١٣)؛ لأنه حقٌّ آدميٌّ لا يسقط إلا بالوفاء أو الإبراء.
ويُعَدُّ شهيدًا من هذا القسم -أيضًا- المقتولُ من الطائفة العادلة القائمة بالحقِّ والمحكِّمة للشرع في قتالها الطائفةَ الباغية، فإنَّ المقتول منها لا يُغسَّل ولا يُصلَّى عليه؛ لأنه في قتالٍ أَمَر اللهُ به، فهو مثلُ الشهيد في قتاله للكفَّار؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات: ٩].
الثاني: شهيدٌ في الآخرة دون أحكام الدنيا، وهو: المبطون، والمطعون، والغريق، وموت المرأة في نفاسها بسبب ولدها وأشباهم؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللهِ: المَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَالحَرَقُ شَهِيدٌ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الهَدْمِ شَهِيدٌ، وَالمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ(١٤) شَهِيدٌ»(١٥).
ويدخل في هذا القسم -أيضًا- من قُتل في سبيل الدفاع عن دينه، ونفسه، وأهله، وماله؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ»(١٦).
وحقيقٌ بالتنبيه أنَّ الشهيد من القسم الأوَّل الذي يجاهد الكفَّار في سبيل الله، وقصدُه نصرُ دين الله تعالى لتكونَ كلمة الله هي العليا، إعزازًا للإسلام والمسلمين وإذلالاً للشرك والمشركين، فهو شهيدٌ حقيقةً، بينما الشهيد في القسم الثاني جعله الله في حكم القسم الأوَّل فضلاً من الله ومنَّةً: يُعطى من جنس أجر الشهيد، ولا تجري عليه أحكامُ الدنيا، قال العيني -رحمه الله-: «وأمَّا ما عدا ما ذكَرْناهم الآن فهُم شهداءُ حكمًا لا حقيقةً، وهذا فضلٌ من الله تعالى لهذه الأمَّة، بأَنْ جعل ما جرى عليهم تمحيصًا لذنوبهم وزيادةً في أجرهم، بلَّغهم بها درجاتِ الشهداء الحقيقيةَ ومراتبَهم، فلهذا يُغسَّلون ويُعْمَل بهم ما يُعْمَل بسائر أموات المسلمين»(١٧).
الثالث: شهيدٌ في الدنيا دون الآخرة، وهو: المقتول في حرب الكفَّار، وقد قاتل رياءً أو سُمعةً أو نِفاقًا أو ليُرى مكانُه، أو قاتل حميَّةً أو لغيرها من النيَّات، ولَمَّا كانت النيَّات خفيةً لا يعلمها إلاَّ اللهُ فقد أُعطوا حُكْمَ الشهداء في الدنيا دون الآخرة.
فإذا تقرَّر حصرُ الشهداء في الأقسام الثلاثة المتقدِّمة بحسب أحكامهم في الدنيا والآخرة؛ فإنَّ من عداهم ليسوا من الشهداء مطلقًا: لا في أحكام الدنيا ولا في الآخرة، بل قد يكون قتالُهم جاهليًّا كالموت من أجل القومية العربية أو غيرها من القوميَّات، أو عصبيةً لدولةٍ على أخرى، أو حميَّةً لقبيلةٍ على أختها، أو يموت في سبيل المطالبة بتحكيم النُّظُم والتشريعات الوضعية أو ترسيخها كالنظام الديمقراطي أو الاشتراكي أو اللبيرالي وغيرها من الأنظمة المستوردة، أو يُقتل من أجل تحقيق المبادئ والإيديولوجيات الفلسفية: شرقيةً كانت أم غربية، ونحوها من الأنواع المعدودة من القتال الجاهلي الذي لا صلةَ له البتَّةَ بالجهاد في سبيل الله، الذي يكون المقصودُ منه إعلاءَ كلمة الله ونصْرَ الإسلام والتمكينَ للمسلمين لإقامة الدِّين وإظهار شعائره، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ[الحج: ٤٠-٤١]، وقوله تعالى: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد: ٧]، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ»(١٨).
هذا، وكلُّ دعوةٍ إلى الروابط النَّسَبِية والمذهبية والطائفية والعصبية مهما كانت صفتُها وتنوَّعت، فهي -في ميزان الشرع- من عزاء الجاهليَّة، وفي هذا المعنى يقول ابن تيمية -رحمه الله-(١٩): «وكلُّ ما خرج عن دعوة الإسلام والقرآن: من نسبٍ أو بلدٍ أو جنسٍ أو مذهبٍ أو طريقةٍ: فهو من عزاء الجاهلية، بل لَمَّا اختصم رجلان من المهاجرين والأنصار، فقال المهاجري: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، وقال الأنصاري: يَا لَلأَنْصَارِ، قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَبِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ» وغضب لذلك غضبًا شديدًا(٢٠)».
وحاصلُه: أنَّ الإسلام إذا كان ينهى أشدَّ النهي عن دعوة الجاهلية، ويحذِّر منها لأنها تشكِّل خطرًا عظيمًا على عقيدة المسلم ودينه؛ فإنَّ الموت في سبيلها أعظمُ خطرًا وأكبرُ جُرْمًا وأسوأُ مصيرًا، نسأل اللهَ السلامةَ والعافيةَ وحُسْنَ الخاتمة.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٤ جمادى الأولى ١٤٣٢ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٨ أبريل ٢٠١١م


(١«إعلام الموقّعين» لابن القيّم (٣/ ٤).
(٢انظر: «المجموع» للنووي (٥/ ٢٢٥)، «عمدة القاري» للعيني (١١/ ٣٧١)، «فتح الباري» لابن حجر (٦/ ٤٤).
(٣أخرجه البخاري في «الجنائز» باب من لم يَرَ غَسْلَ الشهداء (١٣٤٦)، من حديث جابر رضي الله عنه.
(٤الهَيْعَة: هي الصوت الذي تفزع منه وتخافه من عدوّ. [«النهاية» لابن الأثير (٥/ ٢٨٨)].
(٥أخرجه ابن حِبَّان في «صحيحه» (٧٠٢٥)، والحاكم في «مستدركه» (٤٩١٧) واللفظ له وقال: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٦٨١٤)، من حديث عبد الله بن الزبير عن أبيه رضي الله عنهما، وصَحَّحه الألباني في «الإرواء» (٧١٣)، و«السلسلة الصحيحة» (٣٢٦).
(٦أخرجه أحمد (٢٣٦٥٧)، من حديث عبد الله بن ثعلبة بن صُعَيْر، وانظر: «أحكام الجنائز» للألباني (٦٠).
(٧أخرجه أحمد (١٤١٨٩)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وانظر: «أحكام الجنائز» للألباني (٥٤).
(٨أخرجه البخاري في «الجنائز» باب الصلاة على الشهيد (١٣٤٣)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(٩أخرجه أبو داود في «الجنائز» باب في الشهيد يُغَسَّل (٣١٣٥)، والدارقطني في «سننه» (٤٢٠٧)، والحاكم في «مستدركه» (١٣٥٢) وقال: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، انظر: «أحكام الجنائز» للألباني (٥٥).
(١٠لحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يَوْمَ أُحُدٍ مَرَّ بِحَمْزَةَ عليه السلام، وَقَدْ جُدِعَ وَمُثِّلَ بِهِ، فَقَالَ: «لَوْلاَ أَنْ تَجْزَعَ صَفِيَّةُ، لَتَرَكْتُهُ حَتَّى يَحْشُرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ بُطُونِ الطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ»، فَكَفَّنَهُ فِي نَمِرَةٍ، إِذَا خَمَّرَ رَأْسَهُ بَدَتْ رِجْلاَهُ، وَإِذَا خَمَّرَ رِجْلَيْهِ بَدَا رَأْسُهُ، فَخَمَّرَ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الشُّهَدَاءِ غَيْرَهُ، وَقَالَ: «أَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ». [أخرجه ابن أبي شيبة (٤٩١٣)، وانظر: «أحكام الجنائز» للألباني (٥٥)].
(١١أخرجه ابن حبّان في «صحيحه» (٣١٨٤)، من حديث جابر رضي الله عنه، انظر: «أحكام الجنائز» للألباني (١٣٨).
(١٢أخرجه الترمذي في «فضائل الجهاد» باب في ثواب الشهيد (١٦٦٣)، وابن ماجه في «الجهاد» باب فضل الشهادة في سبيل الله (٢٧٩٩)، وأحمد (١٧١٨٢)، وصَحَّحه الألباني في «المشكاة» (٣٨٣٤)، و«صحيح الترغيب والترهيب» (١٣٧٥).
(١٣لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم : «يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلاَّ الدَّيْنَ». [أخرجه مسلم في «الإمارة» (١/ ٩١٢) رقم (١٨٨٦) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما].
(١٤جُمْع: أي تموت وفي بطنها ولد. [«النهاية» لابن الأثير (١/ ٢٩٦)].
(١٥أخرجه مالك -واللفظ له- في «الموطأ» (٣٦)، وأبو داود في «الجنائز» باب في فضل من مات في الطاعون (٣١١١ ) والنسائي في «الجنائز» باب النهي عن البكاء على الميِّت (١٨٤٦)، وابن حبَّان في «صحيحه» (٣١٨٩)، من حديث جابر بن عتيك رضي الله عنه، وصحَّحه الألباني في «مشكاة المصابيح» (١٥٦١).
(١٦أخرجه الترمذي في «الديات» باب ما جاء فيمن قُتل دون ماله فهو شهيد (١٤٢١)، والنسائي -واللفظ له- في «تحريم الدم» باب من قاتل دون دينه (٤٠٩٥)، من حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه، وأخرج الفقرةَ الأولى منه البخاريُّ في «المظالم والغصب» باب من قاتل دون ماله (٢٤٨٠)، ومسلم في «الإيمان» (١/ ٧٥) رقم (١٤١)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، والحديث بتمامه صحَّحه الألباني في «الإرواء» (٧٠٨)، و«صحيح الترغيب والترهيب» (١٤١١).
(١٧«عمدة القاري» للعيني (١١/ ٣٧١).
(١٨أخرجه البخاري في «العلم» باب من سأل وهو قائمٌ عالمًا جالسًا (١٢٣)، ومسلم -واللفظ له- في «الإمارة» (٢/ ٩١٩) رقم (١٩٠٤)، من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
(١٩«السياسة الشرعية» لابن تيمية (٨٤).
(٢٠أخرجه البخاري في «المناقب» باب ما يُنهى من دعوى الجاهلية (٢/ ٢٢٤) رقم (٣٥١٨)، ومسلم في «البرّ والصلة والآداب» (٢/ ١٢٠٠) رقم (٢٥٨٤) من حديث جابر رضي الله عنه. ولفظ البخاري: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا، وَكَانَ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا، فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَوْا وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلأَنْصَارِ، وَقَالَ المُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فَقَالَ: «مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ ؟»، ثُمَّ قَالَ: «مَا شَأْنُهُمْ»، فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ المُهَاجِرِيِّ الأَنْصَارِيَّ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «دَعُوهَا، فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ».

0 التعليقات:

إرسال تعليق